الأحد، 15 أغسطس 2010

الرجال يبكون أيضا

منذ صغرى و انا اعانى من مشكلة حقيقية مع كلمة "ذكر" و التى تتطور مع تقدمك فى العمر لتحل محلها كلمة "رجل"..لا اتصور انى فى يوم من الايام فهمتها او استوعبت المعايير الحقيقية لها .و لا اتذكر انى فى يوم من الايام كنت فى حالة وئام مع المجتمع الذى اعيش بين افراده شاذا و شاردا عنهم لا لشىء الا لانى لا احترم ذكوريته.
منذ نعومة اظفارى و انا اتحلى بكل الصفات الشخصية التى تجعلنى جديرا بان يمنحنى المجتمع لقبه المفضل الذى يطلقه على هؤلاء الخارجين عن سياقه ..ذلك اللقب الذى يتكون من ثلاثة حروف فقط " خ و ل" و لكنه قادرا على ان يحيل حياتك الى جحيم مطلق .
سمعته كثيرا فى جميع المراحل العمرية التى مررت بها حتى الان .. سمعته فى طفولتى ..فى مراهقتى و حتى الان مازلت اسمعه رغم ان عمرى اصبح خمسة و عشرين عاما .
و لكنى اشعر بالشفقة على من ينعتنى بهذا اللقب ..و على ان اعترف انى تماديت فى ممارسة افعال تقشعر لها الابدان من فرط اساءتها للذات الذكورية فى مجتمعى .و لكى اكون امينا ساحاول ان اعرض لبعض هذه الممارسات لتدركوا بانفسكم حجم الماساة.
اذكر انى كنت و مازلت "ابن امى " بكل ما تعنيه الكلمة من دلالات و معان. كنت انا من يصحبها فى رحلاتها للتسوق ..انا من يختار معها اى "التاييرات" ترتدى و اى من اغطية الرأس يلائم ما سترتديه. كنت انا من يراقبها و هى تضع الماكياج قبل خروجها مثلما كنت الشخص الذى يتعرض للتجريح و الاهانة من اخى الاكبر و ابى بعد عودتها الى البيت لانى سمحت لها بان تضع قليلا من الزينة على وجهها .
كنت انا اول من يلاحظ انها غيرت لون شعرها من الاسود الى النبيتى او البنى الغامق ..كنت و مازلت محل ثقتها .. كانت تشعر براحة غريبة عندما تبكى على كتفى و تفضفض لى بكل ما يؤلمها و يزيد من كابتها رغم ان سنوات عمرى لم تكن تحمل من الخبرة ما يجعلها هذه الراحة و الثقة .
اذكر انى كنت دوما رفيقها فى كل زياراتها الى صديقاتها..و هو الامر الذى كثيرا ما ضايق والدى لان هذه لم تكن ابدا شكل الحياة التى ارادها يوما ل "رجله " الصغير .
فى المدرسة و بسبب قربى الشديد من امى كنت احرص على لعب نفس الدور مع صديقاتى اللائى كن كثيرات للغاية و كم كنت مستفذا لزملائى بسبب مرافقتى الدائمة للبنات و التى لم تكن ابدا من منطلق كونى "دون جوانا " و انما لانى كنت اجيد لعب دور الاخ و الصديق و هو الدور الذى اكتشفت لاحقا مع وصولهن لمرحلة البلوغ انه ينتقص من رجولتى امامهن ويجعلنى غير صالح للعب اى دور غيره .
تربيت منذ الصغر على ان الرجل ابدا لا يبكى ..و انه اذا بكى سقط عنه شرف الرجولة و حينها يتم وضعه فى مرتبة اقل حتى من تلك التى تحتلها "النسوان " و عذرا لاستخدامى تلك اللفظة ولكن مجتمعى يفضلها لانها تشعره بنشوة جنسية غريبة .
الغريب انى املك القدرة على البكاء ..بكيت كثيرا ..عندما مات "جاك " فى "تايتانيك " بكيت..و عندما مات "هانى سلامة " فى "انت عمرى " بكيت ..و عندما مات " جاك تويست " فى "بروكباك ماونتين " بكيت ..و عندما مات صديق لى منذ سنوات ..بكيت ..نعم لقد ارتكبت هذه الجريمة ..بكيت و شعرت بتلك الدموع الرقراقة الشفافة و هى تنساب من عينى على وجهى ثم ملابسى ..لمستها و رايت من خلالها الامى واضحة امامى بدون خوف او خجل .

احب اللون الوردى ..و افضله ..تجده فى "قمصانى " مثلما تجده فى احذيتى ..يحررنى من كابة الشوارع ..و لكنه دائما مثار استفزاز للمحيطين بى لانه ببساطة هناك الوانا لا يجوز للرجل ارتدائها ..و  لكنى لم اومن ابدا بهذه النظرية و الا لم اكن لاقدم على تلك الخطوة الانتحارية بشرائى بنطلونا احمرا اثناء وجودى باحدى الدول الاوروبية خلال الصيف الماضى .

"هويتى الجنسية " دائما موضع استفهام و تعجب من الجميع ..و كثيرا ما اسمع السؤال اياه :
Are you gay ?
لا اهتم بالرد عليه ..فى البداية كان يتم طرحه على استحياء و لكن بمرور الوقت اصبحت اسمعه بشكل شبه دورى ..و الغريب ان مقدمات طرحه دائما ما تكون اكثر استفزازا من السؤال نفسه كان يقول لك احدهم " اصل حواليك بنات كتير و مع ذلك مش مصاحب "؟ و كان واجبى تجاه صديقاتى هو ان اضاجعهن لكى اثبت رجولتى .
و لانى لا اهتم بالرد على هذا السؤال لا مجال لمناقشته هنا. لا اتصور ان هناك انسانا على وجه الارض من حقه ان يسالنى عن الدور الذى العبه فى غرفة نومى الا اذا كان هذا الانسان او تلك الانسانة قد تمت دعوتهما الى غرفتى ففى هذه الحالة من حقهما سؤالى .

* لا استطيع ان اجزم انى رجلا و لا استطيع ان اجزم انى "خولا" و لكن استطيع ان ادعى انى لست من اتباع الدين الذكورى الذى يؤمن به المحيطون بى ..و الحقيقة هى انى فشلت فى ايجاد تعريف مناسب للرجولة يتجاوز التصنيف البيولوجى الخاص بالكروموسومات و الذى لا يستهوينى باى حال من الاحوال ..و الحقيقة ايضا هى ان ايجاد تعريف لمعنى الرجولة لم يعد يشغلنى على اى من الاصعدة ..لانى اعرف ان اى تعريف قد اصل اليه سيظل عاجزا عن ايجاد نقطة يستطيع التقابل فيها مع تعريف المجتمع للرجولة ..و لعل هذا ما يفسر تفضيلى لان اطلق على نفسى لقب "انسان" ..اجده اكثر حميمية وقربا لقلبى ..فهو فى النهاية يحمينى من شوائب تعكر صفو انتمائى لهذا اللقب ..لذا لا يشغلنى حاليا سوى ان اكون مجرد انسان.

هناك 4 تعليقات:

  1. تدوينة رائعة و جريئة

    للأسف المجتمع في عمومه يهتم بالمظهر فقط سواء في الدين أو في مفاهيم الرجولة و الأنوثة و مش مهم الجوهر في أي حاجة..

    استمر في التدوين :)

    ردحذف
  2. اولا مرحبا علي البلوجسفير يا انسان
    ثانيا التدوينة اكثر من رائعة ، ليس لانها مست احد مكامن الداء في مجتمعنا و هي الصورة و الدور النمطي لكل من الذكر و الانثي في مجتمعنا
    الا ان ما اثار اعجابي هو انك نجحت في نيل حقك من الخصوصية، ففي وضع اخر قد ينبري المتحدث في اثبات او نفي حقيقة توجهه الجنسي ، الا انك ارتضيت ان يبقي هذا فقط في دائرة حياتك الخاصة و اثرت عدم طرحه للنقاش او الجدال

    ردحذف
  3. انا شابفه انها حلوة قوي و دي المشكلة انها حقيقية و مؤلمة

    استمر

    ردحذف
  4. هناك كتاب هام مترجم عن المجلس الاعلى للثقافة بعنوان الرجولة المتخيلة .، فيه عرض عن المصادر الثقافية التي تغني وتكرس الفهم الشائع عن الرجولة في مجتمعنا في الامثال الشعبية والحكايات والسينما وحتى افيشات الافلام والصور ..، تخيل كيف تحمي هذة المصادر نفسها وتجدد ذذاتها .، يوما قريبا سأعرضه وافيدك بالرابط

    ردحذف