قبل قبولى ضمن برنامج "نظرة " و الذى حمل عنوان "تنقيب فى التابوهات" كانت لدى تصورات معينة عن مغزى كلمة "الجنسانية " و لكنى لا استطيع ان ادعى انى كنت املك تصورا واضحا عن معنى الكلمة.
الامر كان مختلفا بالنسبة لمصطلح " جندر" او النوع الاجتماعى فبفضل قراءات و مناقشات كان لدى تفسيرا لكل الدلالات التى تطرحها هذه المفردة .
المهم انى ذهبت الى هناك و مضى اليوم الاول و الذى كان معنيا بطرق و تكنيك التصوير بالكاميرات الحديثة و الرخيصة خاصة و ان هذه ميزة لكل المهتمين بالصحافة الرقمية .
لم اكن قادرا على الانتظار حتى اليوم الثانى و الذى كان من المفترض ان يكون نقاش مفتوح حول المصطلحين السالف ذكرهما و الحقيقة انه لم يخب ظنى على الاطلاق فقد امضيت اكثر من 3 ساعات اتحدث فى مواضيع اعرفها عن ظهر قلب اتضح لى فى النهاية انها كلها بشكل او باخر مرادفات لمعنى كلمة "جنسانية ".
"الجنسانية " ليست مصطلحا صعبا كما يبدو للوهلة الاولى و فى نفس الوقت لا احد يستطيع ان يدعى لانها ببساطة تحتوى بين طياتها على كل انواع و اشكال الممارسات الاجتماعية المرتبطة بالجنس و لكنها ليست متصلة بشكل مباشر للجنس نفسه.
الجنسانية افعال و امثلة كثيرة للغاية ..جزء منها له علاقة بكيفية قبولنا لاجسادنا و تفاعلنا معها..له علاقة بالعذرية سواء كنا نتحدث عن الرجل او المراة..له علاقة ايضا بالختان و اثاره الجانبية .
و لكن الحقيقة ان من ضمن الامور التى تدخل فى نطاق " الجنسانية" و التى اثارت اهتمامى بشدة ذلك المصطلح الذى يعد غريب نسبيا على اذنى و لكن الحقيقة هى انه ساهم فى تغيير مفاهيمى و بشدة .ذلك المصطلح هو
Sex workers
او العاملين و العاملات فى مجال الجنس . مصطلح صادم ..اليس كذلك؟
الحقيقة هى ان المصطلح قد يبدو جديدا و لكن مضمونه ليس جديد .
هذا المصطلح اصبح يطلق فى الدول المهتمة بحقوق الانسان و فى اوساط العاملين على هذه القضايا ..حيث نستخدمه لوصف هؤلاء الذين اعتاد المجتمع بتسميتهم "عاهرات و فتيات ليل " هذا فيما يتعلق بالنساء اما الرجال فقد اعتاد الرجال وصفهم ب " جوجولو ".
دعونى اذكر لكم شيئا طريفا حيث اعتدت مداعبة اصدقائئ قائلا انى لا امانع العمل ك "موديل" فى المواقع الجنسية او ان انشىء موقعا خاصا لل"بورن"..ربما لم اكن جادا و لكن الحقيقة هى انه شئنا ام ابينا لم يعد الجنس هو تلك العلاقة التى غالبا ما تكون بين رجل و امراة على سرير الزوجية او خارجه و تظل فى طى الكتمان..لقد تحول الى عالم مفتوح و ملىء بالمغامرة و بشكل او باخر تحول ايضا الى صناعة ..هذه الصناعة تقوم على رجال او نساء تحمسوا لها و اطلقوا ملايين المواقع و الافلام التى لم يعد يخلو منها بيت فى مصر اعترفنا بذلك او لم نعترف .
دعونى اوضح ان هؤلاء الاشخاص ليس بالضرورة ان يكونوا ممن اصلطح المجتمع على اعتبارهم جزءا من منظومة "الدعارة" اى انه ليس هناك علاقة مباشرة بينهم و بين من يمارسون الجنس فى مقابل المال ..و لكنهم بشكل او باخر يقدمون نفس الخدمة لكن باسلوب مختلف.
فى رأيى الشخصى انهم بالفعل يقدمون خدمة من حقهم ان تكون مدفوعة الاجر طالما ان احدا لم يجبرهم على تقديمها او يجبرك على قبولها فالمسألة فى النهاية عرض و طلب ..و لكن حتى هذه الجزئية لا تشغلنى فى شىء .
ما يشغلنا هو انهم فى النهاية عاملين مثلهم مثل العاملين فى اى مجال اخر كل ما فى الامر انهم يعملون فى مجال شائك جدا اعتدنا التعامل معه بحذر شديد ..و لكن هذا لا ينفى كونهم فى النهاية بشر لهم حقوق كتلك التى يحظى بها اى عامل اخر بل الحقيقة هى انهم فى حاجة ماسة لتلك الحقوق اكثر من اى شخص اخر ..مثل الحقوق الصحية على سبيل المثال..فهذا المجال محفوف بمخاطر صحية كثيرة و بالتالى هم فى حاجة الى تامين صحى و كشف دورى و الى ضمان اجتماعى يكفل لهم حقوقهم فى حال تعرضوا لاى مشكلة او مرض .
حتى الان مازلنا نتحدث عن نماذج لا نعرفها فما بالك اذن بالنماذج المشابهة التى تعيش بيننا .و دعونى استحضر هنا محادثة دارت بينى و بين صديق لى امريكى كان قد تحدث عن محافظتين داخل مصر امتنع مؤقتا عن ذكر اسمهمها و لكنه قال لى انه يتصور ان تلك المحافظات من اكثر الاماكن فى مصر تعرضا للعديد من الامراض الجنسية و ذلك لسبب بسيط انها من المحافظات السياحية و كثير من الاجانب يجيئون بحثا عن الجنس رجال كانوا او نساء و الحقيقة ايضا انهم يجدون عشرات الاشخاص المستعدين لتقديم الخدمة من الجنسين و للجنسين.
اذا تحدثنا عمن يقدم هذه الخدمة نكتشف انه ليس بالضرورة واعيا بكل ما نتحدث عنه و ليس واعيا بالطبع بما تعنيه كلمة " جنس امن" اى جنس يتم ممارسته مع الاخذ فى الاعتبار كل اشكال الوقاية فتكون النتيجة ان يجدوا انفسهم بين ليلة و ضحاها ضحية مرض جنسى و نبذ و رفض ناتج عن جهل اجتماعى و فى كل الاحوال سيدفعون هم الضريبة كاملة بانفسهم و لانفسهم .
لست اتحدث هنا عن مسيرات تخرج حاملة يافطة تدافع عن " العاملين و العاملات بالجنس " و انما انا اتحدث عن وعى صحى و اجتماعى نحن فى حاجة اليه ..فاولا علينا الاعتراف بان هؤلاء يقدمون خدمة و لن يمتنعون عن تقديمها و ان كنت اعرف انهم لا يقدمونها عن اقتناع بما يفعلونه و انما المسالة غالبا ما تكون ناتجة عن ضغط اجتماعى ما ..ضغط لا يحتاج ان نواجهه بغباء اجتماعى يجعلنا نتصور انفسنا و لو للحظة من اللحظات اهم او افضل منهم ..
هذا الوعى هو خطوة اولى نحو خطوات اولى تتبعها خطوات اهم مثل الذهاب اليهم و التحدث معهم عن الطرق التى يستطيعون بها حماية انفسهم ..ثم انه لماذا لا تتحرك جمعية من الجمعيات الخيرية التى تجيد الدعاية لانفسها طوال الوقت و تفتح قناة حتى لو سرية للاتصال بينها و بينهم من اجل تامينهم صحيا و متابعتهم ..و لكن هذا لن يتحقق الا بشرطين : اولا ان نتعامل معهم فى ضوء مفهوم انهم عاملون فى مجال الجنس و ليسوا بالضرورة ان يكونوا ساقطون و ساقطات يستحقون ان ننزل عليهم باللعنات
ثانيا ان نتخلى عن تلك النظرة الضيقة و المحدودة لمعنى كلمة حقوق الانسان التى تجعلنا نتصور ان الحديث عن التوريث و الانتخابات و المعتقلين هو فقط كل ما تعنيه كلمة "حقوق انسان" التى نتشدق بها طوال الوقت متناسيين انها تعنى ايضا تقبل هؤلاء الذين ربما يكونوا مختلفين عنا .ٍ
لست اطالب بمجتمع متأمرك و لكنى اذكر انه فى مرحلة من تاريخ مصر كان هؤلاء العاملين يحصلون على رخص للعمل و كانت هناك مستشفيات خاصة بهم ..ربما اكون خاطئا فى المعلومة الاخيرة و لكنى اتصور انى لست بالضرورة مخطئا فيما اطالب به.